لعل من أهم التجارب الناجمة عن حركة التاريخ أن التآلف والتجانس بن عناصر المجتمع تعد المقوم الأول لبناء قوته وبقدر ما يتحقق هذا التآلف فإنه ينعكس على قوة المجتمع , كان ذلك قديماً وقبل أن تتكون الدول القومية بمعناها الحديث وظل ذلك باقياً في كل عصر وفي كل مجتمع .
والمتتبع تاريخ عمان يلاحظ هذه الحقيقة بشكل أكثر وضوحاً وخصوصاً مع إقتراب القرن الخامس عشر الميلادي من نهايته حيث عانت عمان من الفوضى السياسية مع إقتراب نهاية عصر النباهنة وبدات عوامل الضعف تنال من كيان هذه الدولة كنتائج طبيعية لإنقسامها إلى دويلات وممالك صغيرة مما عجل بنهايتها .
والحقيقة أن تاريخ النباهنة لم يكن كله ضعفاً وإنما كانت هناك فترات قوة حيث حكم عمان عدد من الحكام العظام لعل أشهرهم فلاح بن محسن وفي فترات قوة الدولة وهيبتها تبدو الوحدة الوطنية أكثر وضوحاً وفي ظل حكام يتميز بقدر كبير من الحسم والإقدام تتبدد الأنانية ويقوى الوطن في ظل أهداف كبيرة ويبدو أن دولة النباهنة أخذت تنهار حينما بدأت تنهار هيبة حكامها حينما أسندت مناصب ولاة الأقاليم إلى من إشتد فسادهم حيث أهدرت حقوق الناس وراحوا يتطلعون إلى نماذج من الأئمة العظام .
وإذا كانت الحروب الأهلية مع نهاية عصر النباهنة قد صرفت الناس عن الأهتمام بأمور معيشتهم مما أسفتر عن تدهور ملحوظ في الحياة الإقتصادية والإجتماعية إلا ان الغزو البرتغالي قد أجهز على البقية ولما كانت السواحل العمانية في مقدمة المناطق وقوعاً تحت السيطرة البرتغالية لذا فقد عمد البوكيرك إلى حرق المدن وتدمير السفن الراسية في الموانئ العمانية .
وهكذا توافق غزو البرتغال مع أشد الفترات ضعفاً في تاريخ عمان مما سهل على الغزاة مهمتهم وعلى الرغمن من كل ذلك فقد سجل التاريخ صوراً من المقاومة العمانية الباسلة .
واللافت للنظر أن كل القوى العربية والإسلامية كانت مستهدفة وعلى الرقم من ذلك فلم يحدث أي قدر من التنسيق بل إتسمت العلاقات بين كل القوى العربية والإسلامية بقدر كبير من التصارع فها هم العثمانيون يستبيحون عاصمة الفرس بينما المماليك ينسقون مع البنادقة بهدف التصدي للبرتغاليين أما بقية القوى العربية في الخليج كالنباهنة الجبور وهرمز فقد إتسمت علاقاتهم بصراع مرير مما بدد من قوتهم جميعاً .
وبينما البرتغاليون يجهزون على كل القوى كانت عمان تشهد ميلاد عهد جديد أرسى دعائمه الإمام ناصر بن مرشد اليعربي المؤسس الحقيقي لدولة اليعاربة من 1624 إلى 1744م لقد إستوعب ناصر بن مرشد التجربة التاريخية بذكاء شديد فأية محاولة لتحرير عمان من البرتغاليين مشكوك في نتائجها بينما الوطن ممزق إلى دويلات صغيرة لذا فقد كان لزاما عليه أن يحارب في جبهتين الحرب من اجل الوحدة والحرب من أجل التحرير.
ولا شك أن أجماع العلماء على إختيار ناصر بن مرشد إماماً عام 1624م يعد بداية عهد جديد في تاريخ عمان حيث وضع أسس دولة اليعاربة التي حكمت ما يقرب من مائة وعشرين عاماً تميز عهدها بملامح رئيسية لعل من أهمها تحقيق الأمن والإستقرار والرخاء كما تميز عهدها بتطور هائل في البحرية العمانية حيث أدرك الإمام ناصر أن الحرب بينه وبين البرتغاليين حرم بحرية في المقام الأول لذا أخذ على عاتقه بناء أسطول عربي يعتبر أول إسطول منظم أصبح في نهاية القرن السابع عشر القوة البحرية الأولى في مياه الخليج العربي والمحيط الهندي .
وينتمى الإمام ناصر بن مرشد إلى قبيلة يعرب التي تعتبر بطناً من بطون بني نبهان وكانوا يتمتعون بإستقلال في إدارة شؤونهم الذاتية حيث إتخذوا من الرستاق مقراً لإقامتهم ونظراً لما إشتهر به الإمام ناصر بن مرشد من الإستقامة والنزاهة والإقدام والتدين لذا فقد أجمع أهل الرستاق على مبايعته إماماً , وتؤكد المصادر العمانية أنه بعد وصول الإمام ناصر إلى الحكم راحت تتهاوى حصون أنصار التجزئة الذين قاوموا بشراسة فكرة جمع شتات الوطن الكبير في دولة واحدة .
وبما أن منطقة الرستاق في التي شهدت ميلاد إمامة ناصر بن مرشد لذا فقد كان عليه أن يبدأ بها , لهذا مضى ومعه جمع من أنصاره نحو قلعة الرستاق وكان المالك للرستاق مالك بن أبي العرب اليعربي وبعد حصار لم يدم طويلاً فتحها الإمام ناصر متخذاً منها نقطة إنطلاق لتوحيد الوطن كله .
لقد إجمعت مصادر التاريخ العمانية على اهمية الدور الذي لعبة الشيخ خميس بن سعيد الشقصي الذي كان موضع ثقة اهل الرستاق حيث ساند الإمام ناصر في كل خطواته بدءاً من إختياره إماماً وإنتهاء بالجيوش التي قادها في سبيل تحقيق الوحدة ومن الصعب إغفال زعامات قبلية ودينية بذلت جهداً كبيراً من أجل الوحدة .