بقيام الدولة العباسية فوض الخليفة أبو العباس السفاح أخاه أبا جعفر المنصور على أقاليم عمان واليمامة والبحرين وقد إختار أبو جعفر جناح بن عبادة بن قيس الهنائي عاملاً على عمان فظل في منصبه مدة قصيرة حتى حل محله إبه محمد بن جناح الذي حسنت سيرته في أهل عمان فأحبوه وقد تأثر كثيراً بالأفكار الأباضية مما دعاه إلى الإعتراف بنفوذهم فبادر أهل عمان وعقدوا الإمامة للجلندي بن مسعود الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للإمامة الأباضية وبذلك خرجت عمان من يد العباسيين زمن أبي العباس السفاح .
على أن الخلافة العباسية كان لا يمكن أن يطول سكوتها عما كان يحدث في عمان مما يشكل سابقة خطيرة تؤدي إلى تمزق الدولة العباسية وإنفصال أطرافها لذا فقد أرسل الخليفة أبو العباس السفاح سنة 134هـ حملة بحرية بقيادة خازم بن خزيمة لاخماد الثورة التي تأججت في جزيرة أبن كاوان القريبة من عمان وأخضاع عمان لنفوذ الخلافة العباسية , وفي الحروب التي دارت بين الجيش العباسي وبين الجلندي بن مسعود قتل الأخير وبضع آلاف من رجاله في موقعة جلفار ومع ذلك فإن أوضاع عمان لم تستقر طويلاً ولم يستطع الولاة العباسيون أن يسيطروا على البلاد بسبب معارضة العمانيين لهم .
لقد تركت وفاة الجلندي فراغاً سياسياً كبيراً وصدمة بين أتباعة وعلى الرغم من ذلك فلم يستطع العباسيون إخضاع عمان , فالعمانيون لم يستكينوا للوالي العباسي وظلوا يناوئون العباسيين ويعارضون حكمهم .
لم يلبث العمانيون أن ثاروا سنة 177هـ وخلعوا الطاعة للخلافة العباسية وإختاروا محمد بن عبدالله بن عفان اليحمدي إماماً إلا أنه كان شديداًَ تنقصه المرونة فأجمع العلماء على عزله وإختاروا الوارث بن كعب الخروصي وفي عهده إستقرت الأمور وساد النظام والأمن بفضل حزمه وعزمه .
لم يرض هارون الرشيد عن الوضع فأرسل حملة كبيرة بقيادة عيسى بن جعفر بن سليمان لإخضاع عمان سنة 189هـ ولكن هذه الحملة باءت بالفشل الأمر الذي أغضب الخليفة هارون الرشيد الذي لم يلبث أن توفي قبل أن يثأر من عمان وأهلها .
إجتمعت كلمة أهل عمان على مبايعة غسان بن عبدالله اليحمدي بالإمامة بعد وفاة الوارث بن كعب سنة 192هـ وقد بقي إماماً خمس عشرة سنة وسبعة أشهر وفي عهده إمتد نفوذ عمن إلى أقاليم أخرى من شبه الجزيرة العربية مثل اليمامة وحضرموت فضلاً عن بعض الجزر القريبة مثل سقطرى .
وبوفاة الإمام غسان بن عبدالله اليحمدي إنتقلت الإمامة إلى عبدالملك بن حمير بن ماء السماء الأزدي وخلال إمامته حدثت العديد من المشكلات والفتن الداخلية إلى أن أختير الإمام مهنا بن جيفر اليحمدي الذي بويع عام 226هـ وقد تنبه إلى المخاطر التي كانت تتعرض لها عمان وكان أكثرها يأتي من ناحية البحر لذا فقد أخذ في تقوية الأسطول الذي وصل في عهده إلى ثلاثمائة سفينة كاملة التسليح , مهيأة لخوض غمار الحرب أما جيشه البري فقد وصل إلى درجة أن حامية نزوى وحدها كانت تضم عشرة آلاف مقاتل وسبعمائة ناقة وستمائة فرس .
ثمة إمام آخر عظيم الهمة هو الصلت بن مالك بن بلعرب الخروصي , الذي بويع بالإمامة في نفس اليوم الذي مات فيه الإمام مهنا في السادس والعشرين من ربيع الآخر سنة 237هـ وقد بويع الصلت على ما بويع عليه آئمة العدل من قبله , أصلاح في الداخل وجهاد في الخارج وكانت أرض عمان في عهده مترامية الأطراف إذ كانت سقطرى والمكلا وحضرموت والمهرة كلها تحت الحكم العماني وفي عهده أعتدى النصارى الأحباش بإسطولهم على سقطرى واطلقوا الأجراس وجعلوها نصرانية وإستغاثت به إمرأه من أهل سقطرى وكانت بمثابة (وامعتصاه) التي إطلقتها إمراة مسلمة في عمورية , وإذا كان المعتصم في قاد جيشاً من الفرسان حتى ظفر وإنتصر فإن الإمام الصلت بعض إسطولاً من مائة سفينة حربية تحمل جنوداً أشاوس وفرساناً يحتسبون أرواحهم في سبيل الله وتمكنوا من إستعادة الجزيرة من مغتصبيها وقد أمضى الإمام الصلت في الحكم خمساً وثلاثين سنة من 237- إلى 272هـ الموافق 851 إلى 885م .
وفي عهد الإمام الصلت إستقلت عمان عن الدولة العباسية إستقلالاً كاملاً وقد عاصر هذا الإمام العادل ستة من خلفاء بني العباس هم المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي والمعتمد .
وفي أواخر القرن الثالث الهجري دخلت إمامة عمان مرحلة من مراحل الضعف حيث إشتدت الصراعات بين القبائل ولجأ بعضهم إلى الإستعانة بالوالي العباسي في البحرين ضد خصومه ومنافسيه مما أغرى محمد بن نور الوالي العباسي في البحرين بغزو عمان سنة 281هـ/893م فأستولى على سواحل عمان وأقام الخطبة للخليفة العباسي المعتضد وفرض على العمانيين خراجاً سنوياً ومع ذلك فقد ظل العمانيون يختارون آئمتهم بعيداً عن سطوة العباسيين .
لقد بقيت عمان متماسكة قوية في ظل آئمتها العظام من أمثال الصلت بن مالك إلى أن تولى أمر عمان عدد من الأئمة لم يكن الواحد منهم يبقى في منصبه إلا بقدر ما يكيد له الأخرون وفي عهد الإمام عزان بن تميم وقعت حرب أهلية طال أمدها وأتسع مداها إلى أن أكلت الأخضر واليابس .
وفي أوائل القرن الرابع الهجري أي العاشر الميلادي تعرضت عمان لهجمات القرامطة الذين إتخذوا البحرين مقراً لهم , ولم تحل سنة 317هـ/929م إلا وكان القرامطة قد سيطروا على بعض أجزاء عمان في الوقت الذي أخذت فيه الخلافة العباسية طريقها نحو الإنحلال والضعف وإزداد نفوذ بني بويه في الدولة وإنعكس ذلك بشكل واضح على عمان التي تغلب عليها يوسف بن وجيه وهو رجل مغامر سبق له أن حاول إحتلال البصرة مرتين إلا إنه فشل في محاولاته سنة 331هـ وسنة 341هـ , فقد تمكن يوسف من الإستقلال بعمان بعيداً عن الخلافة العباسية .
وتشير المصادر التاريخية إلى أن العمانيين لم يرضخوا لسلطة يوسف بن وجيه وإختاروا سعيد بن عبدالله بن محمد الرحيل إماماً عليهم سنة 320هـ/930م .
وإستطاع هذا الإمام إنتزاع عمان الداخل من قبضة يوسف بن وجيه الذي بقى محصوراً في المناطق الساحلية وبعد إستشهاد الإمام سعيد بن عبدالله بالقرب من الرستاق سنة 320هـ/939م إختار العمانيون راشد بن الوليد إماماً لهم وواصل الحرب ضد مغتصبي بلاده وحقق إنتصارات متوالية على يوسف بن وجيه الذي إعتاله مولاه نافع سنة 342هـ وتولى الأمر مكانه وأعلن ولاءه للعباسسن ووجدها الخليفة معز الدولة فرصة لغزو عمان إلا أن محاولاته جميعها باءت بالفشل , وبلغ من سوء الأحوال عندئذ أن بعض المتنافسين على السلطة في عمان إستعانوا بالقرامطة في البحرين سنة 355هـ مما عرض عمان لخطر القرامطة من جديد .
لقد أفزع هذا الوضع المخلصين من العمانيين فنظموا صفوفهم وتمكنوا من طرد القرامطة نهائياً من عمان سنة 375م وإتبعوا ذلك بالعمل على إستئصال نفوذ الخلافة العباسية من عمان .
لقد ظلت عمان خاضعة للولاة مدة خمسة وستين عاماً منذ وفاة الإمام راشد بن الوليد سنة 342هـ حتى إختير الخليل بن شاذان إماماً في العقد الأول من القرن الخامس الهجري .
وقد إنتعشت الإمامة الأباضية بسبب هذه الإنتصارات المتلاحقة وأحسن بنو مكرم وهم من أعيان اهل عمان بمنافسة الإئمة لهم فأشتد الصراع بين الطرفين ووقعت الإضطرابات والحروب الأهلية مرة ثانية ولم يجد العمانيون مخرجاً من هذا الوضع المتردي إلا بالإتفاق حول الإمامة الأباضية .
وكان إن سقطت الخلافة العباسية في بغداد على أيدي التتار في أواسط القرن السابع الهجري ولم يكن التتار قوة بحرية ليفرضوا سيطرتهم على الخليج لذا فقد بقيت عمان بمنأى عن سيطرتهم ومضت في طريقها بعيداً عن نفوذ التتار ولم تلبث إن دخلت منتصف القرن السادس للهجرة في عصر بني نبهان .