حظيت شجرة اللبان عبر مسيرتها ، بحضور تاريخي هائل جعل منا جسراً للتواصل بين حضارات العالم القديم قبل أكثر من 7 آلاف سنة . ولأجلها تحركت القوافل التجارية ، في مسارات شاقة من ظفار بجنوب عُمان ، إلى شواطئ جنوب العراق ، والى الشام ومصر القديمة ، وحتى غزة الفلسطينية الساحلة ، التي حملت منها السفن ثمار الشجرة الظفارية إلى البلدان الأوروبية وخاصة روما القديمة .
وتنمو أشجار اللبان العمانية المعروفة بإسم بوريفليا ساكرا (BOSWLLIA SACRA) بإرتفاعات تصل إلى خمسة أمتار تقريباً ، وهذا النوع من الأشجار وكذلك أشجار المر هما من فصيلة الأشجار البخورية التي يتميز أعضاؤها بوجود مجارِ راتينجية في لحائها .
تعتبر محافظة ظفار جنوب سلطنة عُمان من أكبر المناطق التاريخية الرئيسية لإنتاج اللبان في العالم وعرفت قديما ببلاد اللبان وساكلن وبونت، وكان ميناء سمهرم في ظفار يصدر اللبان في القرن الأول الميلادي إلى اليمن ومصر وروما. ويسمى أجود نوع من اللبان في محافظة ظفار بإسم : الحوجري.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن الملكة المصرية حتشبسوت (1500ق.م) كانت تجلب اللبان المقدس من بلاد بونت والتي تعرف اليوم بـ ظفار ، كما تشير المصادر التاريخية إلى أن ازدياد الطلب على اللبان يرجع إلى القرن السادس قبل الميلاد لبلاد اليونان وبلاد الشام والعراق وفارس ازاء ما كان يمثله اللبان من أهمية للإمبراطوريتين الفارسية والرومانية في الطقوس الدينية.
ويمكن تقسيم أصناف اللبان إلى ثلاثة أنواع حسب الأفضلية والجودة، فاجودها هو الذي يسمى (الحوجري) نسبة إلى حوجر في جبل سمحان ويأتي بعده (النجدي) ثم يليه(الشزري) أما الرابع والأقل جودة فهو (الشعبي أو السهلي) يعتبر النوع الأول هو أفضل الأنواع لأن شجرته تنمو في المناطق المرتفعة الجافة والتي لا يصيبها ضباب أو رطوبة الأمطار الموسمية ولبعدها عن البحر أما النوع الرابع هو الأقل جودة لان شجرته تنمو في المناطق التي تتأثر بالأمطار الموسمية إلى جانب قربها من البحر.
يستخدم اللبان كعلك للمضغ كما يستخدم كأحد أنواع البخور، حيث تم استخدامه في التبخير في بعض الطقوس الدينية. كما أن ذكر اللبان قد ورد في إنجيل متى. يحتوى اللبان على مادة الكورتيزون المثبطة للالتهابات. ويقول الباحثون ان الكورتيزون المتوفر في اللبان ذا جودة عالية وفاعلية أفضل بكثير من الكورتيزون الصناعي. ويشيد الباحثون الغربيون بأن كورتيزون اللبان ليست له اعراض جانبية كالكورتيزون الصناعي الذي يسبب مضاعفات خطيرة منها هشاشة العظام والبشرة الورقية وقصور في وظائف الكبد والكلى. وتوجد ادوية عدة تم تصنيعها بعد فصل واستخلاص مادة الكورتيزون من اللبان وغالبها ادوية غربية.
اما اللبان المر والمعروف باللبان الذكر او الكندر او الشحري فهو يفيد ضد الكحة ومن الأفضل نقعه في الماء وشربه في الصباح والكمية المأخوذة منه هو ملء ملعقة اكل تنقع في ملء كوب ماء بارد وتترك 12ساعة ثم يصفى ويشرب. كما انه مفيد لمن يعانون من آلام اللثة كمضمضة.
ومن فوائد الكندر : أنه مقوي للقلب والدماغ ونافع من البلادة والنسيان وسوء الفهم ، وهو نافع من نفث وإسهال الدم إذا شرب أو سف منه نصف درهم " ملعقة صغيرة " ، وكان أطباء الفراعنة يستخدمونه في علاج المس وطرد الأرواح الشريرة . وهو يذهب السعال والخشونة وأوجاع الصدر وضعف الكلى والهزال ، وهو يصلح الأدوية ويكسر حدتها ، وشربته إلى مثقالين . وله فوائد أخرى كثيرة .
وتعطي الشجرة إنتاجها بعد فترة تتراوح بين ثمان وعشر سنوات من الإنبات وتنمو بسرعة عندما تكون بعيدة عن مناطق تساقط الأمطار الموسمية، وهي من فصيلة البخوريات كثيرة الأغصان أوراقها خضراء داكنة، ويتراوح ارتفاعها ما بين ثلاثة إلى خمسة أمتار وهي ذات جذع واحد أو متفرع عند القاعدة، وتحتوي على غدد لبنية تفرز مادة (الراتنج) الصمغية، وتنمو في مجموعات صغيرة وتتم عملية انفصال اللحاء في الشجرة على شكل قشور ورقية، وافرعها قصيرة وكثيفة ووترية، وتتجمع أوراق الشجرة عند الأطراف في الأفرع، وأوراقها مركبة وأزهارها تتشكل في هيئة عناقيد تتجمع عند أطراف الفروع وتتكاثر الشجرة من الحبوب الجافة التي تتحول من الأخضر إلى الأسود بعد فترة التزهير ثم تتساقط بعد ذلك.
وفي أوائل شهر إبريل من كل عام ، وما أن تميل درجة الحرارة إلى الارتفاع ، حتى يقوم المشتغلون بجمع الثمار ، (بتجريح) الشجرة في مواضع متعددة ، فالضربة الأولى يسمونها (التوقيع) ، ويقصد به كشط القشرة الخارجية لأعضائها وجذعها ، يتلو هذه الضربة نضوح سائل لزج حليبي اللون ، سرعان ما يتجمد فيتركونه هكذا لمدة 14 يوماً تقريباً . وتتبعها عملية التجريح الثانية ــ ثمار درجة ثانية ــ حيث أن النوعية في هذه المرة الأولى ، فضلاً عن كون الكميات المنتجة منها غير تجارية .
ويبدأ الجمع الحقيقي بعد أسبوعين من التجريح الثاني ، حيث ينقرون الشجرة للمرة الثالثة ، في هذه الحال ينضح السائل اللبني ذو النوعية الجيدة ، والذي يعد تجارياً من مختلف الجوانب ، ويكون لونه مائلاً إلى الصفرة . وضرب أشجار اللبان ليست عملية عشوائية ، وإنما هي عملية تحتاج إلى مهارة فنية خاصة ويد خبيرة ، وتختلف الضربات من شجرة إلى أخرى حسب حجمها ، ويستمر موسم الحصاد لمدة ثلاثة أشهر ، ويبلغ متوسط إنتاج الشجرة الواحدة عشرة كيلو جرامات تقريباُ من الثمار ، ويصل ما تنتجه محافظة ظفار ــ في العام الواحد ــ إلى سبعة آلاف طن تقريباُ ، وهو ما يمكن تقدير قيمته المبدئية بحوالي 30 مليون ريال عماني .
سكان محافظة ظفار يستخدمون ثمارها في ماء الشرب ، حيث يعتقد أنها تساعد على (الإدرار) ، كما أنها تجعل الماء بارداً ونقياً في أوقات الصيف ، ويتم إستخدام اللبان كمادة هامة في صناعة البخور الذي يستخدم في الكثير من المناسبات الاجتماعية ، المرتبطة بعادات الزواج والولادة ، وقد ذكرها وأشاد بها (ابن سينا) حيث يقول (إنها تداوي جميع الأمراض) .
ولا يزال اللبان العماني ، الذي يعتبر أفضل أنواع اللبان في العالم ، مطلوباُ في العديد من بلدان العالم ، حيث يتم إدخاله في صناعة الأودية ، والزيوت والمساحيق والعطور والشموع الخاصة ، بالإضافة إلى إستخدامه في العديد من دور العبادة حول العالم .