منذ عام 1870م أخذت الأوضاع الداخلية في عمان تتفاقم وكادت البلاد أن تدخل في أتون حرب أهلية لولا ظهور السيد تركي نجل السيد سعيد والذي يعد واحداً من الشخصيات المرموقة لدى القبائل العمانية .
لقد قرر السيد تركي إحداث تغيير هام بهدف إحتواء الأوضاع المتدهورة وقد شجعه على ذلك عدة عوامل أهمها إستناد السيد تركي على المساعدات المالية المتفق عليها مع أخيه ماجد حاكم زنجبار وكذلك إمكانات السيد تركي الخاصة حيث تميز بعلاقات قوية مع القبائل العمانية إضافة إلى مواهبة الدبلوماسية ومقدرته السياسية على معالجة الأمور بما لديه من خبرة أهلته للقيام بهذه المهام .
وقد بدأت رحلته الشهيرة من الهند متجهاً صوب الساحل العماني بهدف لم الشمل وجمع الكلمة ولم يتبع السيد تركي إسلوب إثارة سكان الساحل ضد النظام القائم في الوقت الذي تلقى فيه مساعدات سخية من أخيه ماجد في زنجبار , مما ساعده على التفاهم مع شيوخ القبائل المقيمين في المناطق الإستراتيجية بهدف تأمين تحركاته , لذلك فقد حظى بتأييد شيوخ دبي ورأس الخيمة وعجمان وشيوخ النعيم وبني قيس كما لقى تأييداً من الغافرية .
وفي الوقت الذي ينظم فيه السيد تركي أوضاعه ويجري محادثاته مع القبائل إعتماداً على معونات مالية سخية من زنجبار إذا بخبر وفاة السيد ماجد في زنجبار , الذي أنفق على هذه الحركة ما يقرب من ثمانين إلف ريال نمساوي ذهب معظمها في شراء الأسلحة وتحالفات القبائل إلا أن السيد تركي مضى في تنفيذ خطته بعد أن قدم تعهداً شفوياً لممثلي بريطانيا بالحفاظ على المصالح البريطانية في المنطقة .
لقد إتخذ السيد تركي من مدينة صور نقطة إرتكاز لحركته ثم إستوثق من سكان سمد الشأن ثم أرسل بقوات عبر المنطقة الساحلية بقيادة سيف بن سليمان البوسعيدي والي مطرح والذي أصبح فيما بعد الساعد الأيمن للسيد تركي , وفي عام 1871م تمكنت قوات السيد تركي من دخول مطرح بعد أن وقعت معركة عنيفة وإستسلمت مسقط ومطرح ودخلهما السيد تركي في حراسة خمسمائة رجل من راكبي الجمال .
لقد أخذ السيد تركي يعيد ترتيب قواته ويستكمل محادثاته مع زعماء القبائل ويبذل الجهد في سبيل الحصول على المواد المالية اللازمة واشاع خصومه سنة 1874م إنه قتل أملاً في تدهور معنويات أنصاره , ومما ساعد على إنتشار هذه الإشاعة ما ألم به من وعكة صحية لدرجة إن راح يفكر في إختيار شخص ليواصل مسيرته وبالفعل إستدعى شقيقه السيد عبدالعزيز بن سعيد من منفاه بجواذر ليتحمل أعباء الحكم وتسلم السيد عبدالعزيز كل صلاحيات شقيقه كنائب عنه له بعد أن توجه السيد تركي إلى جواذر للعلاج , ومن هناك حاكمها الجديد السيد برغش على إستمرار دفع المبالغ التي سبق وإتفق على دفعها السيد ماجد الأمر الذي دعم مسيرة السيد تركي .
لقد كانت الأوضاع قد تطورت لصالحه وفي ديسمبر 1875م عاد إلى وطنه ليبدأ مرحلة جديدة تعد من أخصب فترات حكمه .
لقد إستمرت مرحلة ما بعد علاج السيد تركي حوالي إثنى عشر عاماً , تميزت بتنفيذ برنامج طموح بهدف الإرتقاء بمستوى الإدارة وتحديث أساليبها خصوصاً وأن جهود السيد تركي فقد كللت بالنجاح في عدة عوامل .
تشير المصادر البريطانية المعاصرة لحكم السيد تركي بان تركيبة نظام الحكم بألياته هو إنعكاس لشخص السلطان نفسه , حيث تحددت سلطة السيد تركي وفقاً لطبيعة عمان الجغرافية والسياسية والإجتماعية والدينية وطروفها الإقتصادية , لذا فقد حافظ السيد تركي على معظم تلك المعطيات كما عهد بكثير من مهامه إلى مستشاريه الخصوصيين منهم بدر بن سيف الذي تولى قيادة الجيش إضافة إلى ولايته على صحار ثم مطرح , ومن بين الذين إستعان بهم السيد تركي سليمان بن سويلم الذي شغل منصب السكرتير الخاص للسلطان كما شغل منصب والي صور وظفار , أما الوزراء والمستشارون الخصوصيون فقد إختارهم السيد تركي من الكفاءات العالية .
لقد عنى السيد تركي بالإدارات الإقليمية حيث إعتبرها أكثر تعقيداً من الإدارة المركزية يحكم العوامل الجغرافية والأهمية الإستراتيجية والتنمية الزراعية والدفاعية , لذا فقد إتخذ السيد تركي من مبدأ التوازن هاديا له حين يعين ولاة الإدارات الإقليمية .
لقد أختار السيد تركي ولاة للمدن الساحلية أثبتوا براعتهم ومهارتهم في تنفيذ أوامره بهدف تحقيق خططه وتوجهاته السياسية والدبلوماسية كما كان هناك ولاة من أقاربه نظروا إلى مناصبهم من منظور أكثر إستقلالية ونفوذاً حيث يجمع الوالي بين يديه سلطان القائد العسكري والأمني والقضائي والمالي .
وكان والي مسقط يعتبر من أهم مناصب الولاة ثم يأتي والي مطرح أما والي صحار فيأتي في المرتبة الثالثة أما ظفار وسمائل فكانت لهما أهمية خاصة في فكر السيد تركي لذا فقد كان يختار لهما أكفأ العناصر القيادية .
وهكذا , فقد شهدت الفترة الأخيرة من حكم السيد تركي هدوءاً حتى وفاته عام 1888م بعد أن ترك وراءه مملكة تتميز بقدر من التنظيم والإستقرار هيأ لأبنه وولي عهده السيد فيصل أن يتولى مقاليد الحكم في جو سلمي .