لقد إجتذبت عمان إهتمام الإمريكيين منذ بداية الثلاثينات من القرن التاسع عشر , ليس لأهمية موقعها فقط وإنما لشهرة صادراتها الإفريقية من العاج والذهب والجلود والقرنفل , وكان تطوير الشرق الإفريقي في عهد السيد سعيد بن سلطان عامل جذب لكثير من القوى الأجنبية وكانت الولايات المتحدة الإمريكية في مقدمة القوى الأجنبية التي تطلعت إلى فتح أسواق لها في زنجبار وخصوصاَ حينما زارها التاجر الإمريكي (أدموند روبرتس) الذي وجد نشاطاً تجارياً رائجاً وتسهيلات كبيرة تمنح للأجانب , لذا فقد عاد إلى بلاده حاملاً فكرة عقد معاهدات تجارية بين عمن والولايات المتحدة بهدف تحقيق تبادل تجاري بين البلدين , وكتب إلى الرئيس الإمريكي أندرو جاكسون موضحاً له النتائج المرجوة من التعامل مع أسواق جديدة تزخر بنفائس البضائع الإفريقية , ووافق الرئيس الإمريكي على الفور وعهد إلى أدموند روبرتس بأجراء المفاوضات اللازمة وكان وصول السفينة الإمريكية بيكويك حاملة بعثة روبرتس إلى مسقط دليلاً على ان الإمبراطورية العمانية دولة ذات أهمية خاصة .
وفي سبتمبر 1833م أبرمت اول إتفاقية بني السيد سعيد بن سلطان والولايات المتحدة الإمريكية , وظلت هذه الإتفاقية سارية المفعول حتى عام 1958 حين إستبدلت بمعاهدة جديدة نظمت العلاقاتت الإقتصادية والدبلوماسية بين البلدين.
لقد إمتنع الإمريكيون بموجب هذه المعاهدة بإمتيازات إقتصادية وقضائية حيث أصبح التجار الإمريكيون يتاجرون في أراضي الإمبراطورية مقابل 5% فقط كرسوم على البضائع التي يصدرونها كما صار من حق القنصل الإمريكي فض كافة المنازعات التي تنشأ بين رعايا دولته مقابل حق قنصل عمان في الفصل في القضايا بين الرعايا العمانيين في الولايات المتحدة الإمريكية .
لقد حمل المبعوث الإمريكي من السيد سعيد بن سلطان إلى الرئيس الإمريكي أندرو جاكسون مع نص الإتفاقية .
ومما جاء في رسالة السيد سعيد للرئيس جاكسون : (لقد إستجبت لرغبات معالي سفيركم روبرتس وذلك بإبرام معاهدة صداقة وتجارة بين بلدينا العزيزين .. هذه المعاهدة التي سنتقيد بها بكل إخلاص أنا ومن يخلفني في الحكم وتستطيع سيادتكم أن تطمئن بأن كل السفن الإمريكية التي ترسو في الموانئ التابعة لي ستلقى نفس المعاملة الكريمة التي نلقاها في موانئ بلادكم السعيدة ) .
لقد إحتجت بريطانيا وحذرت السيد سعيد من ان الولايات المتحدة لها أطماع في شرق إفريقيا وبالسياسة الهادئة التي تميز بها لسيد سعيد طلب من الأنجليز عقد معاهدة معهم مشابهة للمعاهدة الإمريكية وتم إبرام هذه المعاهدة عام 1839م.
لقد أدت الإتفاقية العمانية الإمريكية إلى إزدهار التجارة بين البلدين إذ إستقبل ميناء زنجبار سفناً إمريكية تحمل قماشاً قطنياً سرعان ما وجد قبولاً رائجاً في شرق إفريقيا إلى جانب الأدوات المنزلية والبنادق والبارود والساعات والأحذية , وفي المقابل حملت السفن الإمريكية من زنجبار القرنفل والعاج وجوز الهند والتوابل لدرجة أن عدد السفن الإمريكية التي رست في زنجبار عام 1835م قد وصلت إلى ثلاثين سفينة , لذا فقد إختارت الحكومة الإمريكية المستر ريتشارد ووترز في عام 1836م ليكون أول قنصل إمريكي مقيم في مسقط , إلا أن العلاقات العمانية الإمريكية قد تعرضت لعدة مشاكل من اهمها :
1. رغبة السيد سعيد في تعديل المادة الثانية من المعاهدة المعقودة بين الطرفين عام 1833م والتي تنص على حق التجار الأمريكيين دخول كل الموانئ الخاضعة للسيد سعيد , على إعتبار أنه كان يقصد زنجبار فقط ولم ترغب الحكومة الإمريكية في الإستجابة لطلب السيد سعيد فتحرم تجارها من التجارة في بقية موانئ الإمبراطورية .
2. لقد إرتكب بحار إمريكي جريمة قتل في حق مواطن عربي مما فتح المجال لإعادة النظر في إختصاصات القضاء القنصلي خصوصا وقد تكرر إعتداء الإمريكيين على التجار الهنود المشمولين بالرعاية البريطانية .
3. لقد لعب القنصل الإمريكي في زنجبار شارل وارد دوراً في سوء العلاقة بين البلدين لذا تدهورت العلافات بشكل ملحوظ .
فقد حرصت الإدارة الإمريكية على معالجة المشكلات المعلقة بين البلدين , لذا فقد أرسل الرئيس الإمريكي ميلارد فيلمور مبعوثاً خاصاً إلى السيد سعيد بن سلطان (الكومودور أوليك) وصل زنجبار في اول ديسمبر 1851م وأجتمع مع التجار الإمريكيين قبل أن يلتقى بالسيد سعيد , وعرف منهم إحترام السيد سعيد للجالية الإمريكية وحسن معاملته لهم والإمتيازات التي يتمتعون بها , لذا فقد حرصت الولايات المتحدة على إختيار قناصلها في مسقط وزنجبار بعناية خاصة بهدف تطوير العلاقات بين البلدين والتي أخذت تتنامى منذ عام 1852م , لذا فقد أشاد القناصل في تقارير بروح المودة التي يبديها السيد سعيد نحو الإمريكيين .