لقد شهد النصف الأول من القرن التاسع عشر إهتماماً كبيراً ببناء الإسطول التجاري والحربي في عهد السيد سعيد بن سلطان وكانت الموانئ العمانية مثل مطرح ومسقط وصور تعد من اهم أحواض بناء السفن إضافة إلى السفن التي تعاقد السيد سعيد على بنائها في الهند وخصوصاً في بومباي .
ومن أشهر السفن في تاريخ الإسطول العماني (تاج بكس) و(كارولين) و (شاه علم) و (ليفربول) و (سلطانة) و (تاجه) وقد أهدى السيد سعيد البارجة ليفربول إلى وليم الرابع ملك بريطانيا عام 1824م وقد أطلق عليها الأخير إسم (الإمام) تكريماً لمهديها السيد سعيد بن سلطان .
أما السفينة الحربية سلطانة فقد كانت من أهم قطع الإسطول العماني وقد أرسلت إلى ميناء نيويورك عام 1840م تحمل هدايا للرئيس الإمريكي فان بورين .
لقد كان إسطول عمان الحربي والتجاري في الخليج العربي والمحيط الهندي خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر يعد ثاني أكبر إسطول بعد الإسطول البريطاني وكان لذلك الإسطول الضخم قواعد رئيسية على الساحل الشرقي للخليج العربي في موانئ بندر عباس وحاسك وشامل وسياب ولنجة وجزر قشم وهرمز ولارك , أما على الساحل الإفريقي فكان لعمان قواعد بحرية في ممباسا ولامو وكلوه ومقديشو وزنجبار .
وعلى الرغمن من القوة البحرية التي كان يمتلكها السيد سعيد بن سلطان إلا إنه إتصف بالحذر الشديد وعد الدخول في مغامرات عسكرية غير محسوبه , لذا فقد إقتصر نفوذه على السواحل ولم يغامر بالتوسع في الداخل سواء كان ذلك على الساحل الشرقي للخليج العربي أو على الساحل الإفريقي .
ولكن التجار العمانيين توغلوا في داخل إفريقيا ووصلوا إلى ما يعرف حالياً بأواسط كينيا والبحيرات الإفريقية , وتاجروا مع الأهالي ونشروا الإسلام والثقافة العربية وكانوا بمثابة أو جسر ثقافي بين العرب وإفريقيا .
لقد سجل أحمد التجار الإمريكيين الذين زاروا زنجبار في بداية الثلاثينات من القرن التاسع عشر مشاهدات وإنطباعاته عن تجربة السيد سعيد الذي وصل شرق إفريقيا على رأس قوة تتألف من سفينة مزودة بأربعة وستين مدفعاً وثلاث فرقاطات مزود كل منها بستة وثلاثين مدفعاً وسفينتين مزود كل منهما بأربعة عشر مدفعاً وحوالي مائمة مركب نقل عليها ستة آلاف مقاتل وعلى الرغم من بعد الممتلكات العمانية في إفريقيا عن عمان بأكثر من خمسة الآف ميل إلا أن الإسطول العماني من من القوة بحيث يحرس هذه الممتلكات الشاسعة الممتدة بين بندر عباس إلى زنجبار , كما كان يحرس عشرات الموانئ الواقعة على السواحل العربية والإفريقية وعشرات الجزر المتناثرة في الخليج العربي والمحيط الهندي .
لقد أرسل السيد سعيد بن سلطان سفينته سلطانه إلى نيويورك تقل سفيره أحمد بن نعمان الكعبي أول مبعوث عربي إلى الولايات المتحدة الإمريكية وقد زارت السفينة ذاتها لندن عام 1824م تحمل السفير علي بن ناصر إلى الملكة فكتوريا .
وتشير الوثائق التاريخية إلى أن السفينة العمانية كارولين قد زارت مرسيليا عام 1849م زيارة مجاملة حاملة الكثير من بضائع الشرق , وفي منتصف القرن التاسع عشر كان الإسطول العماني التجاري المسلح يتكون من مائة سفينة متعددة الحمولة مزود كل منها ما بين عشرة مدافع إلى أربعة وسبعين مدفعاً إضافة إلى مئات المراكب التجارية الصغيرة .
ومن عجائب القدر أن السيد سعيد بن سلطان قضى أيامه الأخيرة يجوب المحيط الهندي على ظهر السفينة فكتوريا عائداً من مسقط وقد توفي على ظهرها عام 1856م وهي بالقرب من جزيرة سيشل .
وتشير المصادر الأجنبية إلى أن السيد سعيد بن سلطان قد بلغت عنايته بالإسطول لدرجة إستقدام خبراء من بريطانيا وهولندا والبرتغال وفرنسا لتفقد السفن المصنعة له في ترسانات السفن في بومباي .
لقد كانت الموانئ العمانية مهيأة لإستقبال أكبر السفن من الدول الصديقة التي ترتبط معها عمان بعلاقات تجارية وتشير تقارير قناصل وقادة الأساطيل الاوروبية إلى التسهيلات التي كانت تقدمها سلطات الموانئ العمانية إلى تلك الأساطيل وقد أثنوا جميعاً على ما لاقوه من مساعدات وضيافة من قبل السيد سعيد وأولاده وممثليه .
ومن أجل إعطاء مثال عن حجم الأساطيل الأجنبية التي كانت تزور الموانئ العمانية خلال فترة السيد سعيد بن سلطان , نذكر أن عدد السفن الإمريكية التي زارت ميناء زنجبار عام 1834م فقد كان ثلاثين سفينة تجارية وقد أسست الولايات المتحدة قنصلية في زنجبار قبل أربع سنوات من تأسيس أول قنصلية بريطانية فيها .
وعند وفاة السيد سعيد بن سلطان عام 1856م على ظهر السفينة فكتوريا قبالة شاطئ سيشل كانت الإمبراطورية العمانية تمتلك أكبر إسطول تجاري وبحري في المنطقة الممتدة ما بين الخليج العربي وجزيرة مدغشقر .